الدكتور محمد أحمد رمضان
مساعد رئيس جامعة بيان-اربيل
مقدمة تعريفية
يتعين ، بادئ ذي بدء، تعريف المصطلحات التي سيتم استعمالها في هذه المقالة.
١-الروبوت ( Robot) او (الجسمال الإنسالة،الانسان الالي ) :- هو آلة قادرة على القيام بأعمال شاقة او دقيقة او خطيرة او معقدة بإيعاز من برامج حاسوبية معدة سلفاً. وظهرت كلمة (روبوت/ Robot) لأول مرة في عام ١٩٢٠ في مسرحية للكاتب المسرحي التشيكي كارل تشابيك ، و تعني كلمة روبوت التي ابتكرها جوزيف تشابيك شقيق الكاتب المسرحي آنف الذكر العمل الشاق وهي مشتقة من كلمة ( Robota) التي تعني في اللغة التشيكية ( السخرة او العمل الاجباري).
ومن المهم الاشارة الى ان مصطلح ( الجسمال) قد ظهر مؤخرا للتعبير عن الروبوت ، وهو ناتج عن دمج كلمتَي ؛ جسم وآلي، وقد يكون هذا المصطلح اكثر تعبيراً عن الروبوت الذي قد لا يكون بهيئة انسان بالضرورة وان كان في الغالب ولكنه قد يكون ايضا بهيئة حشرة او كلب پوليسي او اي جسم اخر. اما مصطلح ( الإنسالة) فناتج عن دمج كلمتَي ؛ الانسان والآلة.
٢- الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence ):-لا يوجد تعريف موحد للذكاء الاصطناعي ولكن هناك تعريف مقبول بشكل عام يصفه بأنه ( تلك الالات التي تستجيب للمحفزات بشكل يتسق مع الاستجابات التقليدية للبشر ، أي بالمقارنة مع قدرة الانسان على التأمل وتكوين الرأي وإصدار الاحكام). وتقوم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على تحسين اداء المؤسسات وانتاجيتها عن طريق أتمتة العمليات او المهام التي كانت تتطلب القوة البشرية فيما مضى.
٣- الأتمتة ( Automation) :- مصطلح مستحدث على كل آلة تعمل ذاتيا دون تدخل بشري مباشر وذلك بإستخدام الحاسوب والاجهزة المبنية على المعالجات او المتحكمات والبرمجيات في مختلف المجالات الصناعية والتجارية والادارية والخدمية والحربية من اجل ضمان سير الاعمال والاجراءات بشكل آلي سلس وسليم ودقيق وسريع وبأقل خطأ ممكن او خسارة محتملة.
يكتسب هذا الموضوع اهمية متزايدة بعد الاستخدام الهائل والمتعدد المجالات لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الحرب التي لا تزال تدور رحاها بين روسيا واوكرانيا منذ ٢٤/٢/٢٠٢٢.
اولاً- إستخدام الروبوت في أتمتة الحروب
طائرات بلا طيار( Drones) وحروب بلا جنود لم تعد من روايات الخيال العلمي بل اصبحت واقعاً ملموساً ، فالحرب أضحت تعتمد بوتيرة متصاعدة على الطائرات المسيَّرة والجندي الالي ( الروبوت الذكي) المتعدد المهمات.
ويرى بعض الخبراء في تكنولوجيا الروبوتات العسكرية ان العام ٢٠٢٥ قد يشكل منعطفاً مهماً في التحول الى الحروب التي تعتمد على الجندي الآلي على نطاق واسع منقطع النظير.
تاريخياً إخترع الالمان خلال الحرب العالمية الثانية ( ١٩٣٩-١٩٤٥) بعض الاسلحة التي كانت تتحرك فوق عجلات على شكل دبابات صغيرة الحجم ، كما إستخدم الجيش الاحمر السوڤيتي في تلك الحرب دبابات خفيفة ( وخاصة دبابات BT5 و BT 7) تم تزويدها بآلية تحكم عن بعد بواسطة اللاسلكي، كما قام البريطانيون بمحاولة تعديل بعض الدبابات المتوسطة من نوع ( Matilda2 ) بهدف تحويلها للعمل بالتحكم عن بعد بواسطة اللاسلكي.
وبالرغم من استخدام الطائرات المسيَّرة على نطاق محدود في حرب ڤيتنام وحرب اكتوبر الا ان بعثات الاستطلاع الاستخباراتية الامريكية في مهمة البحث عن بن لادن تعد من أشهر الوقائع التي تم فيها إستخدام هذه التقنية بنجاح ، ويقول روبرت ألتمان العضو المؤسس في اللجنة العالمية لمراقبة اسلحة الروبوت ( لم تكن الولايات المتحدة لترسل كل هذا العدد من الطائرات المقاتلة لو كان على متنها طيارون).يتم الاستخدام الحربي للطائرات المسيَّرة بحسب ما تحمله من معدات تكنولوجية ( لأغراض استطلاعية كالرصد والتعقب والتجسس او لأغراض عملياتية كالقصف واطلاق الصواريخ والقاء القنابل)، وتستخدم هذه الطائرات في تنفيذ مهمات عسكرية بالغة الخطورة في مناطق محفوفة بالمخاطر كأفغانستان والعراق واوكرانيا حيث تشكل العمليات العسكرية المباشرة خطراً على ارواح الجنود، وشن هجمات بدون حدوث خسائر في صفوف المهاجمين. لقد قامت اكثر من (٥٠) دولة في السنوات الاخيرة بشراء او تطوير طائرات استطلاعية مسيَّرة منها اسرائيل والمانيا والصين وروسيا وايران واوكرانيا وغيرها بالنظر لتكاليفها المالية المنخفضة نسبياً فإذا كان سعر الطائرة المقاتلة F22 يبلغ (١٥٠) مليون دولار امريكي فإن سعر الطائرة المسيَّرةً يبلغ حوالي (١٠) ملايين دولار امريكي ، كما ان تكاليف تدريب طاقم استخدام الطائرة المسيَّرة تعد قليلة للغاية مقارنة بتدريب طياري الطائرات العادية
وفي العراق طبقت وحدات الرد السريع العسكرية إبتكاراً صممه شاب عراقي في عام ٢٠١٦ وهو عبارة عن روبوت مدولب مزود ببدن مدرع و ٤ كاميرات للمراقبة والرصد ومسلح برشاش متوسط وقاذف للقنابل اليدوية وقد تم استخدامه بشكل قتالي خلال معارك تحرير الموصل من داعش.
وتستهدف الرؤية البريطانية المستقبلية في مجال التسلح ، بحسب قائد عسكري بريطاني رفيع المستوى ، ان يكون ربع تعداد الجيش البريطاني في عام ٢٠٣٠ مكوناً من روبوتات قتالية متعددة المهام ، اي حوالي ٣٠ ألف روبوت على الاقل
ثانياً-إستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الحروب
لا يقتصر استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الحروب على الروبوتات القتالية ( وهو ما شرحناه في " اولاً" اعلاه) بل يمتد ذلك الى عدة مجالات في ما بات يعرف بإسم ( الحرب الذكية) او ( الحرب القائمة على الذكاء الاصطناعي) اهمها ، على سبيل المثال لا الحصر :
١- توثيق جرائم الحرب: إستخدمت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في توثيق جرائم الحرب إذ امكن من خلال صور الاقمار الصناعية وعدد من التقنيات الذكية الكشف عن وجود مقابر جماعية في بعض المناطق في اوكرانيا وسوريا.
٢- التضليل عبر الخداع ( التزييف) العميق: تم تطوير بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي لإستخدامها في عمليات التزييف العميق عبر انتاج مقاطع ڤيديو وصور لتبدو حقيقية تماماً علو نحو يصعب معه التمييز بين الحقيقي والمزيف. فعلى سبيل المثال، خُدع رؤساء بلديات ٣ عواصم اوروبية بإجراء مكالمات ڤيديو مع شخص ادعى انه ( فيتالي كليتشكو)عمدة العاصمة الاوكرانية كييڤ.
٣- تحسين مهام الاستطلاع الميداني: إذ يمكن استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عمليات جمع المعلومات من خلال مراقبة اتصالات العدو و تسجيلها ومن ثم معالجة وتحليل تلك المعلومات ذات الكم الهائل الذي يتعذر على المحللين البشريين معالجتها وتحليلها بمفردهم ومقارنتها بصور الاقمار الصناعية بعد معالجتها وتحليلها وتحويل كل ذلك الى منتجات استخباراتية قابلة للاستخدام العملياتي الميداني.
٤- دعم القوات الحربية بإستخدام الخرائط الذكية: تلعب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي دوراً في دعم القوات البحرية وتعزيز الامن البحري من خلال استخدام الخرائط الذكية والاقمار الصناعية وشاشات المراقبة التفاعلية بهدف تنفيذ عدد من دوريات الحراسة ورصد اي نشاط مزعزع لأمن الممرات المائية الحيوية.
الخاتمة
للروبوتات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل عام مزايا متعددة وتتفوق على البشر في عدة مجالات ، فالروبوتات ، كما يقول بيتر فارين سنجر من مؤسسة ( بروكينج) للابحاث ، لا تشعر ، مثلاً ، بالغضب اذا سقط زميلها قتيلاً في ساحة الحرب ، ولذا فهي لا تقتل بدافع الثأر او الانتقام على عكس البشر الذين قد يرتكبون جرائم حرب بسبب هذه العواطف. وبالرغم من مزاياها فإن للروبوتات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سلبياتها ولها نقاط ضعف خطيرة فإدارة الحروب الذكية لا تتوافق في كل الاحيان مع مبادئ اتفاقية جنيف لحماية المدنيين خلال الحروب مما يؤدي الى وقوع كوارث انسانية( كالحادثة التي وقعت في ٣/٧/١٩٨٨ عندما اخطأت طائرة مسيَّرة امريكية في التعرف على طائرة ركاب مدنية ايرانية وقامت بقصفها على اساس انها طائرة حربية)، كما ان الروبوتات لاتستطيع ، والكلام لبيتر فارين سنجر ، التمييز بين عجوز مقعد في كرسي متحرك وبين دبابة ، فالاثنان بالنسبة اليها سلسلة من الأصفار والآحاد.