مقالة رئيس جامعة بيان بعنوان : القرارات الأخيرة لوزارة التعليم بعدم إجراء الامتحانات النهائية: هل كان ثمة بديل واقعي؟

Pفي حياة الدول والمؤسسات والأفراد لحظات مفصلية ومفترقات طرق، فإما الرجوع الى المربع الأول ونقطة الصفر وما يعنيه ذلك من أن يضيع في لحظة ما تحقق في سنة، أو مواصلة المسيرة وفي الطريق ذاته بكل ما يحمله ذلك في طياته من مخاطرة في غاية الجسامة تنتهي بالسقوط في الهاوية السحيقة، أو استدارة عجلة القيادة وتغيير المسار، ولكن الى أين؟

حدث والعام الدراسي 2019/2020 يخطو الخطوات الأخيرة نحو انتهائه مالم يكن في الحسبان ولم يخطر على بال أحد؛ فيروس عابر للقارات يغزو العالم غير معترف بحدود سياسية ولا بكوابح صحية، أفرغ الشوارع من المارة، وأوقف دوران عجلة الاقتصاد، وأقفل أبواب المعابد والمدارس والجامعات.

وهكذا كان على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهي المؤسسة القائدة لعملية التعليم والبحث الجامعيتين في إقليم كوردستان أن تتخذ القرار المناسب.

في الأيام الأولى التي أعقبت إغلاق أبواب الجامعات وتوقف عملية التعليم انتاب الطلبة وأهاليهم قلق عميق من احتمال ضياع عام دراسي بكامله عليهم. كانت الوزارة حاضرة بكل تصميم حديدي وقررت؛ لن يضيع العام الدراسي على الطلبة بأي شكل من الإشكال، أي لا عودة الى نقطة الصفر، واختارت التعليم الإلكتروني كصيغة مساندة ومتممة لما تبقى من العام الدراسي. وحينما طال غياب الطلبة عن جامعاتهم وأزف موعد الامتحانات في وقت بدأ فيه فيروس كورونا  يعيث في الأرض فساداً، كانت الوزارة حاضرة أيضاً بعزيمة لا تلين وبحكمة لا تضاهى وقررت؛ لا مُضي الى قاعات الامتحانات النهائية في الجامعات حيث يتربص الفيروس بالطلبة والتدريسيين والموظفين ، فلا انحدار الى الهاوية السحيقة، ولا مجازفة بحياة أي من هؤلاء مهما كان الثمن. 

وإذا كان مستحيلا العودة الى الوراء حيث الخسارة العظمى، ومتعذرا المضي في الطريق الأصلي حيث الهاوية الكبرى، فإنه كان لا بد من استدارة عجلة القيادة واختيار الطريق البديل المناسب من عدة طرق بديلة.

وقفت الوزارة، وأعين الجميع من أساتذة وطلبة وموظفين في الجامعات وأهاليهم تترقبها، أمام هذه الطرق البديلة لتحسم أمرها وتنهي أشهراً من الترصد والتوتر والتخمين، ودرست الطرق البديلة محللة سلبياتها وايجابياتها، ملابساتها وتداعياتها، وهذه الطرق البديلة المفترضة هي:

1- التزحيف الآلي للطلبة: أي اعتبار جميع الطلبة حتى من لم ينجح ولو في ابسط امتحان يومي ناجحين الى المرحلة الدراسية التالية تلقائياً ودون أي اختبار أو اشتراط أو استثناء. وهذا يعيد الى الذاكرة العراقية الزحف الذي حدث في زمن عبد الكريم قاسم رئيس وزراء العراق الأسبق، ذلك الزحف الذي يعد وصمة عار في جبين التعليم العالي في العراق كله لن تمحى أبد الدهر.

2- الامتحانات الإلكترونية: وهي الأغنية التي يتغنى بها البعض في العراق الاتحادي في هذه الأيام دون أن يعرف كلماتها ولا ألحانها.

لا توجد في إقليم كوردستان أو في العراق أعمدة الامتحان الإلكتروني الثلاثة؛ بنية تحتية سريعة للشبكة العنكبوتية، وبنية كهربائية مستمرة، ومهارات تقنية في استخدام الحاسوب والإنترنت لدى جميع الأساتذة والطلبة.

إن غياب أي من هذه الأعمدة الثلاثة سيجعل من الامتحان الإلكتروني محكوماً عليه بالفشل الذريع لا محالة، وان الإصرار على إجرائه رغم غياب مقوماته هو ضرب من خداع الذات ولا غاية منه سوى التباهي الفارغ والظهور الشكلي بمظهر المتمكن من ناصية التكنولوجيا وليس هو بذاك.

3- التقييم النهائي (هه لسه نگاندنى كوتايى باللغة الكوردية) وهي العبارة التي استخدمتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إقليم كوردستان في قراراتها): وآلية التقييم (Assessment) آلية علمية رصينة متبعة في أرقى الجامعات العالمية وأهمها، ولم تتبنها الوزارة إلا بعد دراسة وافية وتحليل عميق لهذه الآلية في الجامعات الرصينة  التي تتبوأ أعلى المراتب العلمية في العالم كالجامعات الأمريكية والإنجليزية والكندية، وبعد مشاورات موسعة مع المنظمات الدولية ذات العلاقة بالتعليم كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (UNESCO)، وبعد مناقشات مستفيضة ومعمقة لشخص معالي الوزير والسيد وكيل الوزارة مع السادة مستشاري الوزارة وكبار المسؤولين في مقر الوزارة  والسادة رؤساء الجامعات الحكومية والأهلية.

والآلية التي قررتها الوزارة آلية دقيقة ومتكاملة لا إفراط فيها ولا تفريط، وبموجب هذه الآلية تؤخذ بنظر الاعتبار الدرجات التي حصل عليها الطالب في الامتحانات التي أُجريت في الفترة التي سبقت توقف الدوام في الجامعات بسبب تفشي جائحة كورونا.

ثم يكلف الطالب الراسب في تلك الامتحانات، أو المتخلف عن أداء تلك الامتحانات، بل وحتى الناجح فيها ويرغب في زيادة درجته، بإعداد تقرير علمي يحدده أستاذ المادة وفق ضوابط علمية صارمة يحددها القسم العلمي في الكلية، ويجري تقييم علمي شامل لهذا التقرير من النواحي الموضوعية والشكلية، ومن المحتمل أن لا يكون التقرير مستوفياً للشروط فيبقى الطالب راسباً وعليه معاودة الكرَّة في الدور الثاني، ويحق للأقسام العلمية في الكليات إقرار آليات علمية مناسبة أخرى.

من كل هذا يتضح انه لا يوجد، بموجب هذه الآلية، التزحيف الآلي سيء الصيت للطلبة، كما انه جرى استبدال الامتحان النهائي بتقييم نهائي فيه دور أول ودور ثانٍ.

ليس بالإمكان الادعاء بأن الطريق الذي اختارته وزارة التعليم العالي في الإقليم هو الطريق المثالي المطلق بل هو الطريق المثالي النسبي اذا ما أخذت بنظر الاعتبار الطرق والخيارات المتاحة في الإقليم في الوقت الراهن، ولا بديل واقعياً عنه، إذ ما كان بالإمكان أحسن مما كان، وهو الخيار الحكيم في هذا الواقع الأليم.

وفي ضوء ذلك كله فأننا نرحب بتلك القرارات الجريئة والحكيمة، ونعبِّر عن جاهزيتنا التامة لتنفيذها بالكامل وبكل دقة وشفافية من اجل المصلحة العامة، ذلك الهدف النبيل الذي يقف وراء هذه القرارات.

* رئيس جامعة بيان